مأساة ( الأهواز )... وعودة الروح للحرية
داود البصري
مخاطبة العالم العربي في قضية الشعب العربي في ( الأهواز ) قد أضحت ملفا عبثيا للأسف ، في ظل التشابكات والتداخلات المعروفة في العالم العربي والتي تجعل من كل القضايا الرئيسية مجرد فواصل ، فالشعب العربي في الأهواز رغم كل الأوراق المتداخلة للصراعات والملفات المحمومة في المنطقة والتي تجعل قضيته التحررية تتراجع للأبواب الخلفية ، إلا أن تصميمه الشجاع وعزيمته القوية لم يتسرب إليهما الضعف والهزيمة والخور ، فتصاعد العمليات الإعلامية والعسكرية ضد الإحتلال الإيراني الإستيطاني والذي يحاول جاهدا طمس الهوية العربية للإقليم قد وفر مناخا نفسيا مناسبا لفتح كل الملفات مرة واحدة ، ولتسليط الضوء على معاناة الشعب الأهوازي التي نسيها العالم بأسره ، فيما يتجاهل العالم العربي كل ملفاتها وأبعادها والمنافع الستراتيجية التي ستتحقق بحرية الأهواز!!
ولعل الإستغراب والتعجب يثور ويبرز حينما نرى إصرار المؤسسة الرسمية العربية ممثلة بجامعة الدول العربية العجوز على التمسك بعروبة كل من ( جيبوتي وجزر القمر والصومال ) !! وهي كيانات غير عربية و لا علاقة لها بالعروبة من بعيد أو قريب ، فيما تغض النظر الكامل عن عروبة الأهواز وأهله العرب الأقحاح الذين لا توجد لديهم لغة أو ثقافة بنيوية أخرى ، سوى اللغة والثقافة العربية بينما تأتي اللغة الفارسية التي فرضها المحتل الإيراني الفارسي على مدى أكثر من ثمانية عقود من زمن الإحتلال والهيمنة المنسي ! لتحاول طمس هوية المنطقة وتراثها وأصالتها وإرتباطاتها العربية ، فغالبية الشعب الصومالي مثلا لا تعرف اللغة العربية وكذلك الشعب الإرتيري وكذلك أهل جيبوتي وجزر القمر ... وكان هنالك إقتراح لإدخال إيران ذاتها كعضو مراقب في الجامعة العربية العتيدة !!! فيما تفشل الأمانة العامة لتلك الجماعة في متابعة هموم وشجون ومعاناة أهل الأهواز العرب قلبا وقالبا ، وبعيدا عن الصيغ الجاهزة فإن الحرية لا تجزأ ، وإن حق الشعوب في تقرير مصائرها لم يعد مجرد كلام إنشائي فارغ من مضامينه ، بل تحول لحق إنساني مقدس لا بديل عنه ولا محيص ، وتصاعد المقاومة الوطنية الأهوازية الحرة ضد الهيمنة الإيرانية لم يكن إلا إستجابة لتجاهل الطرف الإيراني الحاكم لحقوق الشعب الأهوازي الطبيعية ، وإستهانته بأهل الإقليم وبحقهم في الحياة الحرة الكريمة ، لقد صورت الدعاية الإيرانية وعلى مدى عقود طويلة كفاح الشعب العربي في الأهواز بكونه مخططات تخريبية يقف خلفها حكام البعث العراقي البائد ؟ واليوم وقد زال نظام البعث نهائيا من على خشبة المسرح الإقليمي والدولي لا يمكن للدعاية الإيرانية أن تستمر في التمترس خلف الدعايات والتبريرات الواهية السابقة !
لذلك فإن التهمة الجديدة جاهزة وهي إتهام النضال الأهوازي بعمالته للولايات المتحدة!!! ، ولكن خداع بعض الناس قد يستمر لبعض الوقت ولكن ليس لكل الأوقات!! ، وتصاعد المقاومة العربية الأهوازية ضد الإحتلال الإيراني ما هو إلا حصيلة منطقية لمعاناة العقود الطويلة ، فقد نشأت أجيال عربية شابة تجاوزت بآفاقها ومداركها جهل العقود الغابرة ، وإستطاعت التعامل مع العالم الحر ، وقراءة إتجاهات الريح والتطورات الدولية و متابعة آفاق الحضارة البشرية بل والتطورات المتفاعلة داخل إيران ذاتها التي تموج بتيارات وتفاعلات شبابية تغييرية كبيرة ، بالإضافة لتصعيد الهجمة السلطوية الناهبة ضد عرب الأهواز وتجاهل مطالباتهم بالحياة الحرة الكريمة وبالتحرر من الإستبداد الديني والطائفي الصفوي المريض ، لقد برع قادة النظام الإيراني بمهمة تصدير الثورة الإيرانية وقيمها للشعوب المجاورة ودخلوا من أجل ذلك في صراعات دموية حادة مع دول الجوار ، ولكنهم على المستوى التطبيقي والعملي فشلوا فشلا مريعا في التعاطي والتعامل الكريم مع الشعوب الرازحة تحت نير الإمبراطورية الشاهانية الإيرانية السابقة التي ورثوها ولم يستطيعوا للأسف ترجمة معاني وأساليب الحكم الإسلامي الحقيقي بين شعوبها !، وظلت روح التعالي القومي الفارسية المعروفة هي المعيار في النظرة للآخرين ! ، فكان الدين والمذهب المشترك مجرد غطاء وواجهة لحكام نظام ولاية الفقيه في فرض إستبدادهم على الآخرين ، وظلت النظرة لعرب الأهواز نظرة ملؤها الشكوك والريبة و الإحتقار و الإهمال التام لتنمية عربستان وحيث شحة المياه في أرض تعج بالأنهار والخصوبة!! ، وتصاعد البطالة ، وتجميد مشاريع التنمية والتطوير ، وتكريس النظرة الأمنية في التعامل مع أهل المنطقة ، وفوق هذا وذاك زيادة عملية التجهيل وفرض الثقافة الفارسية ومحاربة الحرف العربي في نظام يدعي أن دستوره هو القرآن الكريم!! وهي مفارقة مخجلة! ، فيما يحرص حكام إيران على إبعاد الصبغة العربية عن الأهوازيين بوصفهم لهم بأنهم ( الإيرانيون الذين يتحدثون العربية )!!!، وسياسة النفاق الرسمي الإيرانية تفضح نفسها عبر شعارات إيران الثورية ضد إسرائيل وفي دعم عملائها الطائفيين المسعورين في العراق ولبنان بحجة دعم الأمة العربية فيما هم يحاربون العروبة الحقة بممارساتهم العنصرية ! فحتى ( دولة إسرائيل ) تحترم اللغة والثقافة العربية ونرى اليافطات باللغة العربية منتشرة في كل مكان من الطوابع البريدية وحتى عناوين الوزارات والمؤسسات فيما تحرص السلطات الإيرانية على التطير والتشاؤم من كل ما هو عربي ، ثم يدعون بعد ذلك نفاقا تعلقهم بآل بيت النبوة ...! وهم كما نعلم ويعلمون من أشراف العرب و ساداتهم وليسوا من ( الزط)!، وليسوا مجرد ( ناطقين بالعربية )! ، إن الإحتلال الإيراني لأرض الأهواز ليس قدرا دائما لا فكاك منه أو خلاص؟ ، والسيطرة الإيرانية على الأهواز كانت عملية غدر وإحتلال قام بها نظام الشاه العنصري ( رضا بهلوي ) عام 1925 وضمن ترتيبات صياغة خرائط عالم ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية ، وهي بالتالي جزء من حملة إستعمارية ظالمة وغير منصفة لاتختلف عما فعله القياصرة الروس والبلاشفة بعدهم في إحتلال الكيانات الإسلامية في آسيا الوسطى ! وقد آن الأوان أن يتغير الوضع الجامد وأن تعاد الحقوق لأهلها وفقا لحق الشعوب في تقرير المصير ، و (الأهوازيون ) يعلمون جيدا مدى دقة وحراجة و صعوبة وضعهم السياسي إقليميا ودوليا ، و لكنهم بإنتفاضتهم البطولية المستعرة الأخيرة قد رسموا على الرمال الخطوة الأولى في طريق كفاحي طويل وشائك سينتهي حتما بنصر المستضعفين ، ليكونوا هم الأئمة وهم الوارثين بدلا من كتائب الدجل والسطوة والإحتلال العنصري المغلف بالعمائم المقدسة .