الشعب الإيراني..!
الكذبة التاريخية الكبرى التي صاغها رضا شاه ورددتها جميع الأحزاب الشوفينية حتى هذا اليوم!
تأسست الدولة الايرانية الحديثة مع مجيء رضا شاه علي راس السلالة البهلوية في العشرينات من هذا القرن نتيجة لثورة الدستور(انقلاب مشروطيت)التي زعزعت سلطة القاجاريين (الملوك طوائفية، كما كانت تسميها السلطات القاجاريه!) في سلطتهم على فارس وعلي بعض الاقاليم الاخري بعض الأقاليم الأخرى بشكل عام.
وتزامن مجيء رضاشاه الى سدة الحكم مع مجيء اتاتورك في تركية حيث كان الثاني الأب الروحي والسياسي لما جاء به رضا شاه من علمنة و تفريس (على أساس ما قام به اتاتورك من علمنة وتتريك!)، لكن، وكما لم ينجح أتاتورك في عدد من خططه في التتريك والعلمنة بعد تفكك الخلافة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى، لم يفلح رضاشاه هو الأخر في بناء دولته الفاشية التي لم تعترف لكافة لكافة الشعوب والطوائف بأي حقوق ومحاولة صهرهم في العنصر الفارسي الحاكم علي رقابهم .
وكانت ايران عبارة عن ولايات عدة يتحكم في كل منها حكامها المحليين ورؤساء قبائلها، وكان عدد منهم تابعين لفارس فعلا لكن عمدة متحالفين معها لحماية انفسهم من القبائل والدول المجاورة حيث كانت الحروب القبلية على المراتع والوديان الخضراء قائمة دائما.. وكان بعض الحكام المحليين يمدون السلطات الفارسية بالرجال والسلاح ويشاركون في بعض حروبها دفاعا عن انفسهم ووقوفا أمام تعهداتهم للحماية المتقابلة مقابل الدول والقبائل الكبرى الأخرى ويتم ذلك ليس من منطلق الحرص على فارس نفسها، بل من منطلق الحرص على سلطاتهم الاقطاعية الاقليمية ومن أجل ضمان الحماية لأنفسهم عند تعرضهم لأي هجوم من الجيران الأقوياء مثل الأتراك العثمانيين مثلا.
وقام رضاشاه بتنفيذ بعض الخطط الشوفينية لتعميم اللغة الفارسية على كافة الشعوب بعد ما اضطر جميعها للرضوخ بالقوة، كما وامر بنزع الحجاب واجبار الرجال والنساء على تغيير زيهم الشعبي الى زي أوروبي دون ملاحظة الفرو قات والحساسيات القومية والثقافية والقبلية-العشائرية والطائفية. وتصور رضا شاه وبعده ابنه، انه سيتمكن بعد فترة، من تفريس هذه الشعوب وتغييرها الى شعب ايراني واحد يتكلم الفارسية متخذا من تاريخ فارس تاريخا له ومن الأدب الفارسي لغة وأدبا.. وبنا ابشع دكتاتورية عنصرية فارسية تحت اسم ايران قائمة على العنصر الفارسي تاريخيا وسياسيا وثقافيا ناكر لكل الشعوب حقوقها وتاريخها وتراثها وثقافتها وحتى لغتها التي لا تعرف غيرها وهي تتغنى بها يوميا ومنذ آلاف السنين.
وفشل رضاشاه في العلمنة وتغيير الزي التقليدي ورفع الحجاب بسبب المعارضة الواسعة التي واجهها من قبل عامة الناس ومن رجال الدين وكبار الإقطاعيين وحتى من النساء ومن أسياده الأوروبيين وعلى رأسهم الانجليزانفسهم، لكنه، وبعده ابنه، استمرا في سياسة التفريس التي تابعاها بعد تغيير اسم فارس الى ايران من اجل ان يتمكن بذلك من (تفريس)كافة الشعوب وجمعهم في وطن واحد، سمى ايران، لغته وادبه فارسي! تاريخه الفارسي تاريخا لكافة الشعوب!!
وصحيح ان الشعوب في ايران لم تتمكن من الوصول الى بر التحرر والخلاص حتى الآن لأسباب بدأت الشعوب بالتخطيط لإزالتها الآن، لكن تمكن هذه الشعوب من الحفاظ على ركائزها ومقوماتها القومية والثقافية والحضارية يعتبرمقاومة وصمودا مقابل سياسة التفريس الشوفينيه و العنصرية القائمة على قدم وساق وفي كافه الاقاليم و علي كل الإتجاهات اللغوية والثقافية المنهجيه والتاريخية و..
وحاول رضاشاه جاهدا ومستنفرا كافة وسائل القمع والبطش وخلال العشرين عام من حكمه ان يعطي ولأول مرة في تاريخ فارس هوية وطنية مشتركة لجميع الشعوب والمجموعات العرقية والطائفية الموجودة محاولا محو الهويات القومية لكل الأعراق واستبدالها بهوية واحدة لغتها فارسية تسمى ايران تتبنى اللغة والتاريخ والتراث الفارسي وطنيا لجميع القوميات ..
وتخيل رضاشاه بذلك وبعد الفترة الأولى من حكمه التي سبقت الحرب العالمية الاولى ومن خلال حصر التعليم على اللغة الفارسية في كافة الأقاليم، تخيل انه تمكن ان يبني هوية مشتركة للقوميات والاقليات العرقية من أكراد وعرب وبلوش وأذربيجانيين وتركمان ولر وغيرهم بالسيف، حيث قام ومن أجل منع أي تحرك سياسي وقومي في هذا الشأن بمصادرة كل مصادر القرار ومنع أي تحزب وجمد العمل الفكري والثقافي والاجتماعي المتعارض مع خططه في التفريس.. والحجة في ذلك كانت موجودة دائما وهي ان مشاركة الآخرين في السلطة تعني مشاركة أجزاء من أبناء الشعوب وهذا ما لا يتطابق مع الفكرة العنصرية الرضاشاهية الفارسية التي تحاول بناء صرحها جديدا باسم ايران وليشمل كافة القوميات الموجودة والتي ضمت بقوة السلاح. واستمر رضاخان بسياسة التفريس المباشرة و العلنية للشعوب و(ارننتهم) بعد فشله في تغيير وجه مجتمعات وزيهم التقليدي بالقوة. ولم ينجح رضاشاه في هذا المجال أيضا حيث بقيت الشعوب غير الفارسية تقاوم هذه السياسة والى اليوم وان تمكنت العنصرية الفارسية من إجبارهم على الرضوخ مؤقتا بقوة بالنار والحديد..
ومن الواضح ان سياسة النار والحديد لم تبقى فعالة الى الأبد ولا بد للغيد ان ينكسر يوما كما قال الشاعر التونسي وهذا ما حصل فعلا حيث في ظل السياسة الشوفينية للعنصر الفارسي ضد الشعوب غير الفارسية جاءت النتائج في المدى البعيد خلافا لما أراد لها الشوفينيون وهذا ما بينته أحداث الأعوام اللاحقة حيث أصبحت للمجتمع الجديد (المؤرنن!) ومع كل ما قامت به السلطات من سياسة قمعية، أصبحت هناك تجمعات سياسية قومية وقوى فكرية قوية وفعالة في كل الأقاليم. وكانت عام 1940 نقطة عطف لتحرك هذه القوى حيث ظهرت بعضها المطالبة بإعادة حقوقها على الساحة عند إبعاد رضاشاه وحاول كل منها ان يتخذ الطريق الذي يراه صالحا لحماية هويته القومية والوطنية وكانت هناك قوى ايرانية اخرى تحاول الحفاظ على وحدة ايران بشعارات اخرى غير عنصرية بظاهرها حيث اتخذ حزب " تودة " شعار صراع الطبقات الاجتماعية بدل الأعراق وحملة الجبهة الوطنية(جبهة ملي) شعار الحرية والديمقراطية لصياغة مشروع تآخي بين الشعوب كانت تراه بديلا مناسبا لسياسة المسخ للشعوب الأخرى.. لكن كانت هذه التجمعات كانت بعيدة هي الاخرى عن أهداف الشعوب وعما يجرى في ايران ولم تستدرك الموقف المتفجر وحاولت الإلتفاف حول مشكلة التنوع العرقي وضرورة طرح حلول جذرية لذلك خاصة وان تلك الحقبة التي كان من سماتها تفجر الشعور القومي بشكل واسع بعد حصول دول كبرى على استقلالها الوطني مثل الصين والهند وغيرها وبعد الثورات القومية والوطنية التي اجتاحت المنطقة بمساندة الكتلة السوفيتية بقصد جمع القوى المعادية للإستعمار وللغرب تحت شعار " التطور اللا رأسمالي".
ونتيجة لإستمرار السياسة الشوفينية ونكران حقوق الشعوب سواء من قبل السلطة الرسمية المتمثلة هذه المرة بمحمد رضا بهلوي أو من قبل الأحزاب الايرانية الوطنية وحتى المدعية منها بالشيوعية، تبنت الشعوب في ايران شعاراتها القومية للخلاص وبذلك أعلنت جمهورية أذربيجان وجمهورية مهاباد(الكردية) في عام 1946 أي أربع سنوات بعد إبعاد رضاشاه وان كان أحد الأحزاب الإيرانية مساندا لها أو من الأفضل ان نقول مستثمرا لثمارها! كما كانت هناك نشاطات سياسية قوية في الأحواز و بلوشستان وغيرها حيث من نتائج الحركة السياسية في الأحواز في تلك الفترة كان ظهور " حزب السعادة" على الساحة وبعده " جبهة تحرير عربستان".
ولم تعي السلطات والأحزاب الإيرانية الوطنية الموقف حتى بعد هذه الأحداث ولم تلمس الحاجة للتغيير ولم تتفهم الظرف التاريخي وما يمكن ان تودي إليه الأمور ولم تقرأ المستقبل، لا بل وكثفت هذه القوى من شعاراتها العامة المبنية على العنصرية الفارسية والناكرة لحقوق الشعوب.
اليوم وفي عصرنا هذا وبعد اكثر من تسعة وسبعين عام من بناء " الدولة الإيرانية الحديثة= ايران نوين! " على أساس عنصري ومع إبعاد كافة الشعوب عن ممارسة حقوقها القومية والجماهيرية وحقوقها في الحياة الكريمة والحرية والرخاء، وفي غياب عنصر الديمقراطية للأحزاب والمنظمات السياسية وفقدان حقوق الجميع في التعبير، اصبح غير ممكن الإستمرار بالنهج الشوفيني نفسه وغير ممكن إسكات كل هذه القوى الموجودة على الساحة بقوة السلاح.
ان ثورة الشعوب لعام 1979 في ايران اعطت للشعوب وللقوى المناضلة دفعة قوية وأصبحت الشعوب من أقصى الشرق في بلوشستان الى أقصى الغرب في كردستان ومن الشمال التركماني الى الجنوب العربي واعية بحقوقها ومتمسكة بالحفاظ على هويتها اكثر من أي وقت مضى وان الثورة بثت الوعي السياسي ووسعت من ميادين النضال الجماهيري للمعارضة وان الشعوب لم تعد قبائل يقودها الإقطاعيون والشيوخ و" الخوانين " بل لهذه الشعوب منظمات سياسية وجماهيرية قوية قادرة على تحمل مسؤولية التغيير والمواجهة والتحرك بالقوى الفاعلة الى شعارات تفكيك هذه السلسلة المزنجرة والتي تضطهد اكثر من 60% من المجتمع من ابسط حقوقهم في النمو والتطور والتغيير بسبب حرمانهم من مقوماتها الثقافية الشعبية ومن حقوقهم السياسية و حقهم في تقرير المصير!
ان سكوت المنظمات والأحزاب الإيرانية عن قضايا الشعوب وعدم طرحها للأمر في تجمعاتها وخطاباتها ونشراتها ساق الحركة القومية للشعوب الى الأمام وسيسوقها بالتأكيد الى تطرف قومي سيكون الخاسر فيه بالدرجة الأولى العنصر المسيطر والأحزاب التي تتبنى أفكاره وشعاراته التي لا تحمل حلول لقضية الشعوب في ايران.
ان للعالم قوانينه الدولية اليوم تشمل لكل الشعوب حقوقها الشرعية وان لم تطبق هذه القوانين بسبب هيمنة القوى الإستعمارية على مصادر قرار المنظمات الدولية المعنية، لكن هذا لا يعني تجميد هذه القوانين بل هي حية وفعالة وقابلة للإجراء إذا تهيئة الظروف لإجراءها وتمكنت الشعوب من المطالبة بها وهي مقتدرة ولها ميدان للمناورة في الميادين الدولية والمحلية وهذه هي الطريقة الوحيدة لتطبيق هذه القوانين وليس هناك من يعرضها على الشعوب المضطهدة للتطبيق!
ولا مستقبل لسياسة البطش والقتل والتهجير مهما كانت هذه السياسة فعالة ومؤثرة في فترة ما، وان الشعوب المضطهدة ستكتشف أساليبها المناسبة للنضال وإعادة الحقوق مثل ما عملت شعوب الهند، الصين، فيتنام وغيرها حيث من هذه الشعوب من أعاد حقه بـ قوة السلاح والمواجهة ومنها من أعاده بـ تحريك الشارع وجمهرة النضال السياسي.
ابو بشار